في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات تجاوز عدد الدول التي كانت تعترف بـ”الجمهورية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو من مخيمات تندوف سنة 1976، الثمانين دولة، ما خولها آنذاك نيل عضوية منظمة الاتحاد الإفريقي.
وكانت الجبهة الانفصالية تستفيد في تلك المرحلة، من الدبلوماسية الجزائرية النشطة، ومن ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي التي كانت الجزائر محسوبة عليه، والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن مع سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، بدأت الأمور تميل إلى صالح المغرب تدريجيا، وشرعت العديد من الدول التي تغير فيها نظام الحكم من اليسار إلى اليمين، في إعادة النظر في علاقاتها مع جبهة البوليساريو.
وتجاوزعدد الدول التي سحبت اعترافها بـ”جمهورية البوليساريو الآن إلى أكثر من خمسين دولة، غير أن الكيان الانفصالي لا زال يحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع بعض الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
أمريكا اللاتينية لم تعد معقلا
شهدت أمريكا اللاتينية في نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة مدا يساريا استفادت منه الجبهة الانفصالية التي كانت تجد مساندة قوية، من دول لاتينية عديدة في المنظمات والملتقيات الدولية، غير أنه مع تراجع اليسار وصعود الأحزاب اليمينية إلى الحكم انقلبت الأمور، ولم يعد للانفصاليين نفس الحظوة.
وباتت الآن دول معدودة تعترف بالبوليساريو من بينها الميكسيك، وبليز، والأوروغواي وفنزويلا، وكوبا، ونيكاراغوا، وبوليفيا.
وقبل أيام واصل المغرب تحقيق مكاسب دبلوماسية في أمريكا اللاتينية، وانضمت بنما التي كانت أول دولة في المنطقة تعترف بـ”الجمهورية الصحراوية” في يونيو من سنة 1978، إلى قائمة الدول التي قررت تعليق علاقاتها بالجبهة الانفصالية، والاتجاه بدلا من ذلك إلى “دعم جهود الأمين العام والمجتمع الدولي، في إطار الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سلمي وعادل ودائم ومقبول لدى الأطراف”.
وقبل ذلك، وفي 22 أكتوبر 2024، أقدمت الإكوادور على نفس الخطوة التي اتخذتها بنما بسحب اعترافها بـ “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”. وقبل ذلك بيوم واحد أعلن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دعمه لخطة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب للصحراء الغربية.
وفي شتنبر من سنة 2023 أعلنت وزارة الخارجية البيروفية سحب الاعتراف بـ”الجمهورية العربية الصحراوية”، وقطع جميع العلاقات معها.
وقبل ذلك بأكثر من سنتين، كانت البوليساريو قد تلقت أخبارا غير سارة، حيث أعلنت كل من باربادوس والسلفادور، عن تجميد علاقتهما بها.
وقبل عشرة أيام، طالب مجلس الشيوخ في باراغواي، الحكومة بدعم مبادرة الحكم الذاتي للصحراء التي اقترحها المغرب في عام 2007. واعتبرت الغرفة العليا، المبادرة المغربية “أساسًا للتوصل إلى حل سلمي وعادل ودائم يرضي جميع الأطراف، في إطار احترام سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية”.
وفي دجنبر من سنة 2022 قرر مجلس الشيوخ بالأوروغواي إلغاء “لجنة الصداقة مع جبهة البوليساريو”، ويشير التقارب الحاصل بين المغرب وهذا البلد إلى إمكانية تجميد علاقاته بالبوليساريو.
غياب في آسيا وحضور جنوب القارة الإفريقية
على غرار القارة الأوروبية التي لا تقيم أي من دولها علاقات مع البوليساريو، لم يتمكن الانفصاليون من الترويج لطرحهم بالانفصال عن المغرب في القارة الأسيوية، ولم تعترف الدول الكبرى بـ”جمهوريتها” باستثناء الهند التي اعترفت بها سنة 1985، قبل أن تسحب اعترافها بها سنة 2000.
وتعترف دول أسيوية قليلة في الوقت الراهن بجمهورية البوليساريو هي كوريا الشمالية لدواعي إيديولوجية حيث يحكمها نظام يساري راديكالي، وتيمور الشرقية التي أصبحت دولة مستقلة عند إندونيسيا سنة 2002 بعد استفتاء لتقرير المصير، وفيتنام، وجمهورية لاوس.
فيما تتوفر البوليساريو في القارة الإفريقية على حلفاء أكثر مقارنة مع باقي قارات العالم، لكن رغم ذلك سبق للعديد من دول القارة السمراء أن سحبت اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية”.
ولازلت دول إفريقية أهمها الجزائر، وموريتانيا، ومالي، وجنوب إفريقيا وأنغولا وإثيوبيا، وبوتسوانا، وكينيا والموزمبيق وروندا ونيجيريا وتنزانيا وأوغندا وزيمبابوي، تعترف بها.
يذكر أنه منذ سنة 2011 لم تعترف أي دولة “بجمهورية” البوليساريو، ويبدو أن مسلسل سحب الاعتراف سيتواصل في المستقبل، إذ أن المغرب تمكن من اقتحام معاقل الجبهة في جنوب القارة الإفريقية.
أوروبا تخرج من المنطقة الرمادية
وإلى عهد قريب كانت الدول الأوروبية، تفضل إمساك الحبل من المنتصف، والتعبير عن دعم الأمم المتحدة لإيجاد حل يضمن “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي”، إلا أن الموازين بدأت تميل إلى المغرب بشكل واضح، إذ باتت 19 دولة على الأقل من دول الاتحاد الأوروبي، تعدعم رسميا مغربية الصحراء أو خطة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط. وكانت المجر آخر هذه الدول، حيث قررت يوم الأربعاء الماضي دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء.
وقبل ذلك كانت فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، قد اعترفت بمغربية الصحراء، فيما قررت إسبانيا المستعمرة السابقة للصحراء، بعد مدة طويلة من التردد، دعم مقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد لنزاع الصحراء.
ومع عودة دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، يلوح في الأفق فصل جديد للمغرب حيث يرتقب أن تسير دول أخرى على خطى واشنطن وتدعم مغربية الصحراء.
المصدر : يابلادي