15 سببا لبلوغ السيل الزُّبى

 

 

نعود إلى الجارة الجزائر مرغمين، وبدون مقدمات طللية نبسط الخلاصات التالية:

 

1 – في كرونولوجيا العلاقات بين المغرب والجزائر، منذ تولي السيد عبد المجيد تبون الرئاسة في دجنبر 2019 لم يكن المؤشر إلا تصاعديا باتجاه التأزيم.

 

2 – يصل الأمر اليوم إلى زاوية حادة باستعمال القوات الانفصالية في الهجوم العسكري على المدنيين المغاربة، وهذا إعلان حرب فعلي على الأرض وإن لم يكن رسميا.

 

3 – لم يسبق منذ حرب الرمال ومعارك أمغالا بعد ذلك أن كنا على هذا القدر من حساسية خطوط التماس المقصودة، كرد فعل متهور على تحولات سياسية في قضية الصحراء.

 

4 – تم قطع العلاقات الديبلوماسية من جانب واحد وحظر المجال الجوي وفرض التأشيرة على المغاربة وإغلاق أنبوب الغاز الذي كان يمر من الجزائر إلى إسبانيا عبر التراب المغربي، ومنع وإهانة رياضيين وصحافيين مغاربة. ورغم ذلك ظل المغرب الرسمي يتحدث عن اليد الممدودة بكل ضبط للنفس.

 

5 – منذ أن انطلق هذا المسلسل التصعيدي لم يوجه ملك البلاد أي رسائل صارمة للجار إلا في الذكرى 49 للمسيرة الخضراء في 6 نونبر الجاري، حين عبر عن أسفه لوجود من يعيش في عالم آخر منفصل عن الحقيقة ويطالب بالاستفتاء رغم أن الأمم المتحدة تخلت عنه لاستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت يرفض إحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف.

 

6 – إذا قارنا هذا الخطاب الملكي بالكلمات التي استعملها محمد السادس في يوليوز 2022: «أتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية حتى يتمكن المغرب والجزائر من العمل يدا في يد من أجل إقامة علاقات طبيعية» وفي يوليوز 2023 حين أكد أن المغرب لن يكون مصدر أي شر أو سوء للجزائر، فإن المعنى الوحيد للغة العاهل المغربي في هذا الشهر هو أن السيل قد بلغ الزبى.

مقال ذو صلة  برلمانيون ينبهون لاختلالات النقل المدرسي في المناطق القروية

 

7 – تكون قد مرّت اليوم تقريبا 50 سنة على افتعال قضية الصحراء، وتكاد تترسخ القناعة بأن هذا العداء الجزائري للمغرب هو جيني لدى حماة النظام هناك، ولا علاقة له بالدفاع عن مبادئ حق الشعوب في تقرير المصير وبقضية الصحراء.

 

8 – لابد أن نتذكر أنه منذ استقلال الأشقاء عن الاستيطان الفرنسي وهم في خصومة مع المملكة، وأن قضية الصحراء كانت نتيجة للتبرم الجزائري من المغرب وليست سببا في هذا الخلاف الذي ينذر بالأسوأ اليوم.

 

9 – يقولون «وما مصلحة الجزائر في أن تكون في عداء مع المغرب إن لم تكن نصرة بلد المليون شهيد للشعب الصحراوي؟» والحقيقة أن السيد عبد المجيد تبون ليس إلا سليل جيل تربى على ضغائن الماضي، وعلى سردية «المراركة حكرونا» وعلى معادلة بائدة وهي أن قوة المغرب تعني ضعف الجزائر. فلم يثق حكام الجزائر وخصوصا الجيش المتحكم في زمام الأمور في صدق نوايا المملكة رغم التنازلات المرّة في الصحراء الشرقية، ومنجم غارة الجبيلات، والتغاضي عن أكبر عمل عدائي يمكن أن تقوم به دولة ضد دولة أخرى وهو احتضان جماعة مسلحة تهدف إلى المس بالوحدة الترابية لجارتها.

10 – العالم يعرف أن حل قضيّة الصحراء بيد الجزائر كطرف رئيسي في النزاع، إلا الجزائر التي تقول إنها غير معنية، ورغم ذلك نجد أن مندوبها في مجلس الأمن هو الوحيد الذي غادر لحظة التصويت على القرار الأممي الأخير، بل هاجم أعضاء المجلس. وهي الدولة الوحيدة في العالم التي كلما برزت قضية الصحراء في مجلس أو مجمع أو نقاش أو منظمة إلا وتجدها متصدية للمغرب كملاكم في الحلبة.

 

11 – ليست هناك دولة في العالم، حتى تلك المناهضة للمغرب في قضية الصحراء، كجنوب إفريقيا، تسحب سفيرها من دولة ذات سيادة عندما تعترف هذه الدولة بالسيادة المغربيّة على الأقاليم الجنوبيّة، سوى الجزائر. جرى هذا مع إسبانيا وبعدها مع فرنسا مؤخرا. والدولة الوحيدة التي لم تتجرأ عليها الجزائر هي الولايات المتحدة الأمريكيّة على عهد ترامب عندما اعترفت بمغربية الصحراء، ورغم كل هذا تقول الجزائر إنها غير معنية بالنزاع!

مقال ذو صلة  السلطات المغربية تستعد لمواجهة التحديات الناجمة عن إعصار “دانا”

 

12 – إذا كان وزير خارجيتنا ناصر بوريطة وهو يتحدث عن احتمالات الحرب مع الجزائر قد قال إن هناك 39 نزاعا مسلحّا عبر أنحاء العالم يُكلف 17 تريليون دولار، فالذي لم يقله أنك يمكن أن تجد حلا لكل هذه النزاعات، ولكن يكاد يكون مستحيلا إيجاد حل مع حكام هذا الجار، إذا لم يتغير الجيل المتشبع بأساطير الأولين ومنطق الحرب الباردة في الفضاء المغاربي.

 

13 – يبدو لبعض المراقبين أن قضية الصحراء من أعقد القضايا الدولية المطروحة على المنتظم الأممي وهذا غير صحيح، والصحيح أن أعقد ما في القضية هو العلاقات الجزائرية المغربية التي يراد لها أن تبقى متأزمة كرأسمال سياسي لهؤلاء الحكام في الجوار، لتدبير شأنهم الداخلي وعزل المغرب الذي يلعب جيدا في المجال التنموي بلا غاز، وهذا يغيظ ويفزع.

 

14 – كلامنا عن التنمية في المغرب لا يعني أننا بلغنا الكمال، بل إن النقاش العام في البلاد يكاد يصل إلى جَلد الذات، والتعثرات في مجال الدولة الاجتماعية مبسوطة في المناقشات البرلمانية والإعلام، والاحتجاجات تجري هنا وهناك. إلا أن الجزائر تعرف أن إنهاء قضية الصحراء وبناء المغرب الكبير سيجعل من المغرب لاعبا قاريّا لا يضاهى رغم الثروات الطاقية التي يتوفرون عليها، وأنهم يفضلون الخسارة على منطق رابح-رابح إذا كانت هذه الخسارة هي رهن المغرب وعزله.

 

15 – ردود الفعل الجزائرية المتشنجة والتصعيدية والخطيرة ناتجة بالضبط عن قناعتها بأن المملكة تتطور بشكل سريع، خصوصا في الأوراش الكبرى والتموقع الجيوسياسي، ولذلك يمكن أن ننتظر كل الاحتمالات بما في ذلك الخيار العسكري الذي خصصت له في ميزانيتها لهذه السنة 25 مليار دولار.

 

لن ينتصر أحد في حرب مدمرة إقليمية بين الجارين إلا الحقد الأعمى. لن يؤدي ثمن أي تهور إلا الشعبان الشقيقان. لهذا نحن لا نحتفي بقرع الطبول، ولكن نتجرع الحسرة والأسى على هذا الوضع المبكي والمفجع الذي نوجد فيه إزاء جار هو قدر محتوم. والخلاصة أنه رغم كل ما يجري، يجب أن تبقى أعصاب المملكة باردة برودة الواثقين وإرادتها متفائلة واستعدادها حازم. وعموماً للبيت ربّ يحميه.

مقال ذو صلة  حلب: قصة “جوهرة سوريا” التي صهرتها الحرب

المصدر : الأيام 24

أضف تعليق