اتفاق وقف إطلاق النار في غزة: فلسطيني مفرج عنه يروي لبي بي سي ظروف احتجازه “الصعبة” في إسرائيل، والجيش يرد: “الانتهاكات تُعامل بمنتهى الجدية”

تواصلت بي بي سي مع الجيش الإسرائيلي للحصول على إجابات حول شهادة الفلسطيني المفرج عنه، حيث أكد الجيش أن عملياته “تتم وفقاً للقانون والأوامر العسكرية، وأن أي انتهاكات تُعامَل بمنتهى الجدية”.

وأوضح الرد الإسرائيلي أن إساءة معاملة المعتقلين في أي مرحلة من الاعتقال أو الاحتجاز تُعتبر مخالفة للقوانين والأنظمة العسكرية، وبالتالي فهي “ممنوعة منعاً باتاً”.

ويصف الفلسطيني المفرج عنه، لحظات اعتقاله الأولى مع أشخاص آخرين، قائلاً: “أخرجنا الجيش الإسرائيلي من المدرسة ونحن نرتدي ملابسنا الداخلية، بعد أن قاموا بتطويق المكان وأبقونا محاصرين داخل المدرسة التي كانت تؤوي النازحين ولم يكن بها أي مسلحين”.

ويضيف: “أدخلونا إلى غرف أشبه بالزنازين وبدأ الضرب والتعذيب منذ دخولي، وانهال عناصر الجيش بالضرب على رأسي بالسلاح، وبأحذيتهم، بهدف انتزاع اعتراف بانتمائي لجماعات مسلحة”.

ويشير إلى أنه بالرغم من تأكيده على أنه مجرد موظف حكومي، هدده أحد الجنود بأنه لن يخرج من السجن إلا بعد خمسة عشر عاماً حسبما قال لبي بي سي.

ويؤكد الفلسطيني المفرج عنه تعرضه المستمر “للضرب والإهانات والشتائم”، ويشير إلى أنه عند وصولهم إلى معبر إيريز، “تم تكبيل المعتقلين وإجبارهم على الركوع على ركبهم، مع تكبيل أيديهم وتغطية أعينهم، كما أجبروهم على وضع رؤوسهم على الأرض، ليبقوا في هذه الوضعية طوال الليل”.

ويضيف أنه كان يصعب عليه الحصول على إذن للذهاب إلى دورة المياه رغم معاناته من مشكلة صحية في البروستاتا، وعندما يُسمح له، كان يُجبر على “التعري أمام الجنود”، كما يروي لبي بي سي.

الجيش الإسرائيلي قال لبي بي سي إن المعتقلين يتمتعون بإمكانية الوصول المنتظم إلى مراحيض موجودة داخل مرافق الاحتجاز، والتي يتم تنظيفها بانتظام للحفاظ على النظافة والصحة. كما يتم توفير فرص الاستحمام بشكل منتظم.

وبحسب أرقام نادي الأسير الفلسطيني، يبلغ عدد السجناء والمعتقلين الفلسطينيين، أكثر من 10 آلاف شخص حتى مطلع 2025، يقبعون في ثلاثة وعشرين سجن ومركز توقيف وتحقيق.

وقال نادي الأسير الفلسطيني إنه “تم تهديد العائلات بعدم الاحتفال بخروج أبنائهم أو رفع أي راية، مع التهديد بقصف أماكن التجمعات”، موضحاً أنه تابع “التهديدات منذ بدء صفقة التبادل”، ومؤكداً أن إسرائيل “تستهدف ضرب رمزية الأسير الفلسطيني في الوعي الجمعي الفلسطيني”.

وقال مدير مكتب إعلام الأسرى التابع لحركة حماس، أحمد القدرة إن “حالة الأسرى تكشف حجم الانتهاكات التي تعرضوا لها”، داعياً المجتمع الدولي إلى الاعتراف بحقهم في الحرية والكرامة” بحسب بيان للمكتب.

وأوضح الفلسطيني المفرج عنه ضمن صفقة التبادل لبي بي سي، أن “كل مرحلة من مراحل الاحتجاز تتضمن نوعاً خاصاً من التعذيب”، مشيراً إلى أن الوجهة التالية له بعد احتجازه، كانت داخل ما وصفها بـ”البركسات”، حيث تعرّض لـ”الصعق بالكهرباء في وجهه ومناطق حساسة”، ويضيف إنه “عند وصوله، قام الجنود بتسجيل معلوماته وسألوه عن حالته الصحية”، إلا أن ذلك كان مجرد إجراء شكلي، إذ لم يتم مراعاة وضعه الصحي ومعاناته من أمراض مزمنة، على حد وصفه.

وأشار إلى أنه تعرض للتعذيب عن طريق “الشبح”، إذ قال إنه تعرض لتعليق يديه في السياج لمدة ساعتين، وتمّ ضربه ما أدى إلى تمزقات في يديه، ويضيف أنه حالياً لا يستطيع رفع يديه بالكامل نتيجة التعذيب الذي تعرض له.

وأضاف أنه في غرفة التحقيق، تم إجبارهم على “ارتداء حفاظات لمنعهم من طلب الذهاب إلى دورة المياه”، وأوضح: “تعرضت للإغماء نتيجة الضرب المبرح على منطقة حساسة، ما جعلني غير قادر على الذهاب إلى دورة المياه لمدة 20 يوماً”.

ونفى الرد الإسرائيلي “استخدام الحفاضات بشكل واسع”، مؤكداً أن استخدامها “نادر جداً ويقتصر على حالات طبية محددة”، مثل الخضوع لإجراءات طبية تقتضي تقييد الحركة، أو حالات أخرى تتطلب الحفاظ على النظافة الشخصية. وأكد أن “الهدف الوحيد من استخدام الحفاضات في هذه الحالات النادرة هو الحفاظ على النظافة الشخصية للأفراد المعنيين”.

ويقول المفرج عنه إن المياه كانت متوفرة لمدة ساعة واحدة فقط يومياً، بينما كانت الغرفة التي احتجز فيها تضم ما لا يقل عن خمسة عشر شخصاً، يتقاسمون ثلاث وجبات فقط، تتكون من “الأرز والعدس والفاصوليا النيئة”.

وفي وقت سابق، أجرت بي بي سي مقابلات مع طاقم طبي فلسطيني في غزة، قام الجيش الإسرائيلي باحتجازهم بعد مداهمة مجمع ناصر الطبي في فبراير/شباط 2024.

وتحدث أفراد الطاقم الذين أفرج عنهم لبي بي سي عن ظروف احتجاز مشابهة لما تحدث عنه الفلسطيني الذي أفرج عنه مطلع الشهر الجاري، إذ قالوا إنه تم ضربهم وتعصيب أعينهم واحتجازهم وإجبارهم على خلع ملابسهم، بحسب رواياتهم.

وتحدث الطبيب أحمد أبو صبحة – أحد أفراد الطاقم الذين تمّ اعتقالهم، ثمّ الإفراج عنهم، عن إطلاق الجنود الإسرائيليين لـ”كلاب” عليهم، وقال إن جندياً إسرائيلياً “كسر يده أثناء احتجازه لمدة أسبوع”.

وتطابقت رواية أبو صبحة، مع روايتين لشخصين آخرين من الطاقم الطبي ذاته، تمّ احتجازهما معه واختارا عدم الكشف عن هويتهما.

ويستدرك المفرج عنه الذي تحدث إلى بي بي سي: “كنا نعد أنفسنا للموت، متوقعين أن يُلقوا بنا داخل الأكياس السوداء، لأن حياتنا كانت مليئة بالعذاب والإهانة”.

ويضيف: “كل ما كنا نفكر فيه هو كيف ننجو ونخرج أحياء. وبعد الإفراج عنا، خرجنا بإعاقات”، مشيراً إلى أنه تلقى خبر مقتل 25 شخصاً من أفراد عائلته فور خروجه، كما تم تدمير منزله في غزة.

ويختتم حديثه مع بي بي سي بقوله: “لا أحد يستهين بسجين، سواء كان ليوم أو 20 عاماً”.

اندلعت الحرب في غزة بسبب الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأدى لمقتل حوالي 1200 شخص واحتُجز 251 آخرين.

وحتى الآن، قُتل أكثر من 48,230 فلسطينياً في غزة منذ الحرب الإسرائيلية على القطاع، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس في القطاع. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي ثلثي مباني غزة قد دُمرت أو تضررت.

أكد الجيش الإسرائيلي أنه يتعامل مع الانتهاكات “بأقصى درجات الحسم”، وأشار إلى أنه يتم فحص جميع الادعاءات المحددة المتعلقة بإساءة معاملة المعتقلين بشكل دقيق، حيث يتم تحويل الشكاوى المحددة إلى الجهات المختصة داخل الجيش لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وفي الحالات التي يتم فيها الاشتباه “بشكل معقول” بوجود سلوك إجرامي، يتم فتح تحقيقات، واتخاذ إجراءات ضد المتورطين.

وأوضح الجيش الإسرائيلي أن المعتقلين يُعامَلون وفقاً للقانون الدولي، مشيراً إلى أن هناك إجراءات أمنية ضرورية يتم اتباعها عند التعامل مع المشتبه بهم في الإرهاب. ومن بين هذه الإجراءات، طلب تسليم ملابسهم للفحص، للتأكد من عدم إخفائهم لسترات ناسفة أو أسلحة أخرى.

وأضاف الجيش أن الملابس لا يتم إعادتها فوراً للمعتقلين “بسبب الشكوك بأنها قد تحتوي على أدوات يمكن استخدامها لأغراض عدائية (مثل السكاكين)، ولكن يتم إعادتها لهم في أقرب وقت ممكن”.

وبيَن الجيش في رده أن كل معتقل في مرافق الجيش الإسرائيلي يتلقى ملابس كاملة مناسبة للطقس، بالإضافة إلى بطانيات وفرش للنوم، “مما يضمن معاملة إنسانية تتناسب مع الظروف”.

اختتم الجيش الإسرائيلي ردع بتأكيد “التزامه” بمعايير القانون الدولي وحقوق الإنسان، مشدداً على أن الحفاظ على كرامة المعتقلين وسلامتهم “هو جزء أساسي من قيمه وتوجيهاته التشغيلية”. وأكد أن أي انتهاكات يتم التعامل معها بجدية تامة، بما يضمن المساءلة والشفافية في جميع الإجراءات.